كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



إن هذه لمصيبة فيمن ظن هذا وقال به!.
قلت: ومما يدلّ على هذا من معنى التنزيل قوله تعالى: {يا أيها الرسول بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة: 67] أتراه يكتم شيئًا أُمِر بتبليغه أو ببيانه؟ حاشاه عن ذلك وقال تعالى: {اليوم أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة: 3] ومن كمال الدّين كونه لم يأخذ من الخضراوات شيئًا.
وقال جابر بن عبد الله فيما رواه الدّارَقُطْنِيّ: إن المقاثئ كانت تكون عندنا تُخرج عشرة آلاف فلا يكون فيها شيء.
وقال الزُّهْرِيّ والحسن: تُزَكى أثمان الخضر إذا بيعت وبلغ الثمن مائتي درهم؛ وقاله الأوزاعيّ في ثمن الفواكه.
ولا حجة في قولهما لما ذكرنا.
وقد روى الترمذيّ عن معاذ أنه كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الخضراوات وهي البقول فقال: «ليس فيها شيء» وقد رُوي هذا المعنى عن جابر وأنس وعليّ ومحمد بن عبد الله بن جحش وأبي موسى وعائشة.
ذكر أحاديثهم الدّارَقُطْنِيّ رحمه الله.
قال الترمذيّ: ليس يصح في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء.
واحتج بعض أصحاب أبي حنيفة بحديث صالح بن موسى عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فيما أنبتت الأرض من الخضر زكاة» قال أبو عمر: وهذا حديث لم يروه من ثقات أصحاب منصور أحد هكذا، وإنما هو من قول إبراهيم.
قلت: وإذا سقط الاستدلال من جهة السُّنّة لضعف أسانيدها فلم يبق إلا ما ذكرناه من تخصيص عموم الآية، وعموم قوله عليه السلام: «فيما سقت السماء العُشْر» بما ذكرنا.
وقال أبو يوسف ومحمد: ليس في شيء من الخضر زكاة إلا ما كانت له ثمرة باقية، سوى الزعفران ونحوه مما يوزن ففيه الزكاة.
وكان محمد يعتبر في العُصْفر والكَتّان البزر، فإذا بلغ بزرهما من القرطم والكتان خمسة أوسق كان العُصْفر والكتان تبعًا للبزر، وأخذ منه العشر أو نصف العشر.
وأما القطن فليس فيه عنده دون خمسة أحمال شيء؛ والحمل ثلثمائة مَنٍّ بالعراقيّ.
والوَرْس والزعفران ليس فيما دون خمسة أمْنَان منها شيء.
فإذا بلغ أحدهما خمسة أمنان كانت فيه الصدقة، عُشْرًا أو نصف العشر.
وقال أبو يوسف: وكذلك قصب السكر الذي يكون منه السكر، ويكون في أرض العُشْر دون أرض الخرَاج، فيه ما في الزعفران.
وأوجب عبد الملك بن الماجِشُون الزكاة في أصول الثمار دون البقول.
وهذا خلاف ما عليه مالك وأصحابه، لا زكاة عندهم لا في اللَّوز ولا في الجَوْز ولا في الجلَّوْز وما كان مثلها، وإن كان ذلك يدّخَر.
كما أنه لا زكاة عندهم في الإجّاص ولا في التفاح ولا في الكُمَّثْرَى، ولا ما كان مثل ذلك كله مما لا ييبس ولا يُدّخر.
واختلفوا في التين؛ والأشهر عند أهل المغرب ممن يذهب مذهب مالك أنه لا زكاة عندهم في التّين.
إلا عبد الملك بن حبيب فإنه كان يرى فيه الزكاة على مذهب مالك، قياسًا على التمر والزبيب.
وإلى هذا ذهب جماعة من أهل العلم البغداديين المالكيين، إسماعيل بن إسحاق ومن اتبعه.
قال مالك في الموطّأ: السنّة التي لا اختلاف فيها عندنا، والذي سمعته من أهل العلم، أنه ليس في شيء من الفواكه كلها صدقة: الرمّان والفِرْسَك والتّين وما أشبه ذلك.
وما لم يشبهه إذا كان من الفواكه.
قال أبو عمر: فأدخل التّين في هذا الباب، وأظنه (والله أعلم) لم يعلم بأنه يُيْبَس ويُدّخَر ويُقتات، ولو علم ذلك ما أدخله في هذا الباب؛ لأنه أشبه بالتمر والزبيب منه بالرمان.
وقد بلغني عن الأبْهَرِيّ وجماعة من أصحابه أنهم كانوا يُفتون بالزكاة فيه، ويرونه مذهب مالك على أصوله عندهم.
والتين مكيل يراعى فيه الخمسة الأوْسُق وما كان مثلها وَزْنًا، ويُحكم في التين عندهم بحكم التمر والزبيب المجتمع عليهما.
وقال الشافعيّ: لا زكاة في شيء من الثمار غير التمر والعنب؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الصدقة منهما وكانا قوتًا بالحجاز يدّخر.
قال: وقد يدخر الجوز واللوز ولا زكاة فيهما؛ لأنهما لم يكونا بالحجاز قوتًا فيما علمت، وإنما كانا فاكهة.
ولا زكاة في الزيتون؛ لقوله تعالى: {والزيتون والرمان}.
فقرنه مع الرمان، ولا زكاة فيه.
وأيضًا فإن التين أنفع منه في القوت ولا زكاة فيه.
وللشافعيّ قول بزكاة الزيتون قاله بالعراق، والأوّل قاله بمصر؛ فاضطرب قول الشافعيّ في الزيتون، ولم يختلف فيه قول مالك.
فدلّ على أن الآية محكمة عندهما غير منسوخة.
واتفقا جميعًا على أن لا زكاة في الرمّان، وكان يلزمهما إيجاب الزكاة فيه.
قال أبو عمر: فإن كان الرمّان خرج باتفاق فقد بان بذلك المراد بأن الآية ليست على عمومها، وكان الضمير عائدًا على بعض المذكور دون بعض. والله أعلم.
قلت: بهذا استدل من أوجب العشر في الخضراوات فإنه تعالى قال: {وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} والمذكور قبله الزيتون والرمّان، والمذكور عقيب جملة ينصرف إلى الأخير بلا خلاف؛ قاله الكِيَا الطبريّ.
ورُوي عن ابن عباس أنه قال: ما لَقِحت رمّانة قط إلا بقطرة من ماء الجنة.
وروي عن عليّ كرّم الله وجهه أنه قال: إذا أكلتم الرمّانة فكلوها بشحمها فإنها دباغ المعدة.
وذكر ابن عساكر في تاريخ دمشق عن ابن عباس قال: لا تكسروا الرمانة من رأسها فإن فيها دُودةً يعتري منها الْجُذام.
وسيأتي منافع زيت الزيتون في سورة المؤمنون إن شاء الله تعالى.
وممن قال بوجوب زكاة الزيتون الزُّهْرِي والأوزاعيّ والليث والثوريّ وأبو حنيفة وأصحابُه وأبو ثور.
قال الزهريّ والأوزاعيّ والليث: يُخْرَصُ زيتونًا ويؤخذ زيتًا صافيًا.
وقال مالك: لا يخرص، ولكن يؤخذ العُشر بعد أن يُعصر ويبلُغ كيله خمسة أوْسق.
وقال أبو حنيفة والثورِيّ: يؤخذ من حبه.
السابعة: قوله تعالى: {يَوْمَ حَصَادِهِ} قرأ أبو عمرو وابن عامر وعاصم {حَصَادِهِ} بفتح الحاء، والباقون بكسرها، وهما لغتان مشهورتان؛ ومثله الصِّرام والصَّرام والجَذاذ والجِذَاذ والقَطَاف والقِطاف.
واختلف العلماء في وقت الوجوب على ثلاثة أقوال:
الأوّل: أنه وقت الجذاذ؛ قاله محمد بن مَسْلمة؛ لقوله تعالى: {يَوْم حَصَادِهِ}.
الثاني: يوم الطِّيب؛ لأن ما قبل الطيب يكون عَلفًا لا قُوتًا ولا طعامًا؛ فإذا طاب وحان الأكل الذي أنعم الله به وجب الحقّ الذي أمر الله به، إذ بتمام النعمة يجب شكر النعمة، ويكون الإيتاء وقت الحصاد لما قد وجب يوم الطِّيب.
الثالث: أنه يكون بعد تمام الخَرْص؛ لأنه حينئذ يتحقق الواجب فيه من الزكاة فيكون شرطًا لوجوبها.
أصله مجيء الساعي في الغنم؛ وبه قال المُغيرة.
والصحيح الأوّل لنص التنزيل.
والمشهور من المذهب الثاني، وبه قال الشافعي.
وفائدة الخلاف إذا مات بعد الطِّيب زكّيت على ملكه، أو قبل الخَرْص على ورثته.
وقال محمد بن مسلمة: إنما قدّم الخرص توسعةً على أرباب الثمار، ولو قدّم رجل زكاته بعد الخَرْص وقبل الجذاذ لم يُجْزه؛ لأنه أخرجها قبل وجوبها.
وقد اختلف العلماء في القول بالخرص وهي:
الثامنة: فكرِهه الثوريّ ولم يُجْزِه بحال، وقال: الخرص غير مستعمل.
قال: وإنما على ربِّ الحائط أن يؤدّيَ عشر ما يصير في يده للمساكين إذا بلغ خمسة أوْسُق.
وروى الشيبانِيّ عن الشعبيّ أنه قال: الخرص اليومَ بدعةٌ.
والجمهور على خلاف هذا، ثم اختلفوا فالمعظم على جوازه في النخل والعنب؛ لحديث عَتَّاب بن أَسِيد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه وأمره أن يَخْرُص العنب كما يَخْرُص النخل وتؤخذ زكاته زبيبًا كما تؤخذ زكاة النخل تمرًا.
رواه أبو داود.
وقال داود بن عليّ: الخرص للزكاة جائز في النخل، وغير جائز في العنب؛ ودفع حديث عتّاب بن أَسِيد لأنه منقطع ولا يتّصل من طريق صحيح، قاله أبو محمد عبد الحق.
التاسعة: وصفة الخرص أن يُقَدّر ما على نخله رطبًا ويقدّر ما ينقص لو يُتَمّر، ثم يعتدّ بما بقي بعد النقص ويضيف بعض ذلك إلى بعض حتى يكمل الحائط، وكذلك في العنب في كل دالية.
العاشرة: ويكفي في الخرص الواحدُ كالحاكم.
فإذا كان في التمر زيادة على ما خرص لم يلزم ربَّ الحائط الإخراجُ عنه، لأنه حكمٌ قد نفذ؛ قاله عبد الوهاب.
وكذلك إذا نقص لم تنقص الزكاة.
قال الحسن: كان المسلمون يُخْرَص عليهم ثم يؤخذ منهم على ذلك الخرص.
الحادية عشرة: فإن استكثر ربّ الحائط الخرص خيّره الخارص في أن يعطيَه ما خَرَص وأخذ خرصه؛ ذكره عبد الرزاق أخبرنا ابن جُريج عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: خَرَص ابن رواحة أربعين ألف وَسْق، وزعم أن اليهود لما خيّرهم أخذوا التمر وأعطوه عشرين ألف وَسْق.
قال ابن جريج فقلت لعطاء: فحقٌّ على الخارص إذا استكثر سَيِّدُ المال الخَرْص أن يخيّره كما خيّر ابنُ رواحة اليهودَ؟ قال: أي لعمري! وأيّ سُنّة خيرٌ من سنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الثانية عشرة: ولا يكون الخرص إلا بعد الطِّيب؛ لحديث عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث ابن رواحة إلى اليهود فَيَخْرُص عليهم النخلَ حين تطيب أوَّل التمرة قبل أن يؤكل منها، ثم يخيّر يهودًا يأخذونها بذلك الخرص أو يدفعونها إليه.
وإنما كان أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخرص لكي تحصى الزكاة قبل أن تؤكل الثمار وتُفَرّق. أخرجه الدّارَقُطْنِيّ من حديث ابن جريج عن الزهريّ عن عروة عن عائشة.
قال: ورواه صالح بن أبي الأخضر عن الزهرِيّ عن ابن المسيِّب عن أبي هريرة، وأرسله مالك ومَعْمر وعقيل عن الزهريّ عن سعيد عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.
الثالثة عشرة: فإذا خَرص الخارص فحكمه أن يُسقط من خرصه مقدارًا مَا؛ لما رواه أبو داود والترمذيّ والبُسْتِيّ في صحيحه عن سهل بن أبي حَثْمة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يقول: «إذا خرصتم فخذوا ودَعُوا الثلث فإن لم تدَعوا الثلث فدعوا الرّبع» لفظ الترمذي.
قال أبو داود: الخارص يدع الثلث للخُرْفة.
وكذا قال يحيى القَطّان.
وقال أبو حاتم البُسْتِيّ: لهذا الخبر صفتان: أحدهما أن يترك الثلث أو الربع من العشر، والثاني أن يترك ذلك من نفس التمر قبل أن يُعشر، إذا كان ذلك حائطًا كبيرًا يحتمله.
الخُرْفة بضم الخاء: ما يُخْتَرَف من النخل حين يُدْرِك ثمره، أي يُجْتَنَى.
يقال: التمر خرفةُ الصائم؛ عن الجوهرِيّ والهَروِيّ.
والمشهور من مذهب مالك أنه لا يَترك الخارصُ شيئًا في حين خَرصه من تمر النخل والعنب إلا خَرَصه.
وقد روى بعض المدنيين أنه يخفف في الخرص ويترك للعَرايا والصّلة ونحوها.
الرابعة عشرة: فإن لَحِقت الثمرة جائحةٌ بعد الخرص وقبل الجذاذ سقطت الزكاة عنه بإجماع من أهل العلم، إلا أن يكون فيما بقي منه خمسة أوْسق فصاعدًا.
الخامسة عشرة: ولا زكاة في أقل من خمسة أوْسق، كذا جاء مبيَّنًا عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.
وهو في الكتاب مُجْمَل، قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أَنْفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأرض} [البقرة: 267].
وقال تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ}.
ثم وقع البيان بالعُشر ونصف العُشر.
ثم لما كان المقدار الذي إذا بلغه المال أخذ منه الحق مُجملًا بيّنه أيضًا فقال: «ليس فيما دون خمسة أوْسق من تمر أو حب صدقة».
وهو ينفي الصدقة في الخضراوات، إذ ليس مما يُوسق؛ فمن حصل له خمسة أوْسق في نصيبه من تمر أو حب وجبت عليه الزكاة، وكذلك من زبيب؛ وهو المسمَّى بالنصاب عند العلماء.
يقال: وِسْق ووَسْق (بكسر الواو وفتحها) وهو ستون صاعًا، والصاع أربعة أمداد، والمد رطل وثلث بالبغداديّ ومبلغ الخمسة الأوْسق من الأمداد ألف مدّ ومائتا مدّ، وهي بالوزن ألف رِطل وستمائة رِطل.
السادسة عشرة: ومن حصل له من تمر وزبيب معًا خمسةُ أوْسُق لم تلزمه الزكاة إجماعًا؛ لأنهما صنفان مختلفان.
وكذلك أجمعوا على أنه لا يضاف التمر إلى البُر ولا البر إلى الزبيب؛ ولا الإبل إلى البقر، ولا البقر إلى الغنم.
ويضاف الضأن إلى المَعْز بإجماع.